ازدهار عبد الحليم الكيلاني في كتابها "أحاديث من التراث"(1)

ازدهار عبد الحليم الكيلاني في كتابها "أحاديث من التراث"(1) تسكب من مشاعرها إضافات وجدانية
زياد شليوط *
نلاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك اهتماما خاصا لدى كتابنا وكاتباتنا في موضوع التراث والحفاظ عليه، من خلال تجميعه ونشره خشية ضياعه في ظل صخب وضجيج العالم الحديث الذي وصلنا اليه.
ورد في كتاب د. شريف كناعنة و أ. نبيل علقم تعريفا للثقافة الشعبية بأنها " النتاج الجماعي المعبّر عن شعور وعواطف وحاجات وضمير أبناء الشعب بشكل عام، وليس النخبة أو المجموعة الخاصة، وتنتقل من جيل الى جيل، كما تنتشر بين الناس من جماعة الى أخرى ومن فئة الى أخرى، بشكل عفوي، مشافهة أو عن طريق التقليد والمحاكاة والملاحظة"(2).
وكاتبتنا المجتهدة ازدهار عبد الحليم، عضو "الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين – الكرمل 48" جمعت في كتابها – المذكور أعلاه - ألوانا من التراث الشعبي: العادات في المناسبات، الطعام والشراب، الألعاب الشعبية، قصص وحكم، شخصيات تراثية. تلك الألوان التي عايشتها الكاتبة سواء في بيت أهلها أو في الحارة أو البلدة بشكل عام. وهذا ما تشير اليه في مقدمة الكتاب وبناء على تشجيع أصدقائها أقدمت على جمع تلك الشذرات من التراث الشعبي في كتابها هذا "من أجل أن تفيد منها الأجيال، فتتعرف كيف كنا نعيش؟ وتقارن بين الحياة اليوم والحياة في الأمس! فلعلّ ذلك يسهم في عودتها إلى أصولها فيعمّ الوعي والأمن والمحبة والرخاء". (ص 2-3)
والسيدة ازدهار لا تكتفي بنقل الألوان التراثية كما عايشتها وشاهدتها، بل تسكب من مشاعرها إضافات وجدانية لتضيء جمالا على ما كتبته وجمعته باجتهادها الشخصي، وأتوقف عند بعض الأمثلة على ذلك.
الجيران: تحزن الكاتبة على ما آل اليه حال الجار والعلاقة بين الجيران في عصرنا، وفقدان هذه القيمة لمعناها وحضورها، وبعد التوقف عن الجيرة ومعناها في السابق، تنعى كاتبتنا هذا الجانب بكلمات مؤثرة: " وفي كثير من الأمثلة، أصبح الجار مصدر أذى وقلق لجاره!! انقلب الأمر من المحبة إلى العداء والبغضاء... ومن تمني الخير إلى تمني الشر!! إن انتقال الناس الى الحياة العصرية حياة الحضارة والآلة، جعل علاقات الناس وعلاقات الجيران تنهار رويدا رويدا!!" (ص 42-43)
ساعي البريد: تتوقف الكاتبة عند ساعي البريد الذي اختفى من شوارعنا وبلداتنا، وقد كنا نراه ونتابعه على دراجته الهوائية يوزع الرسائل للأهالي في بيوتهم، فتعلق الكاتبة قائلة: "وانسحب ساعي البريد من حياتنا، وضاعت دراجته في زحمة وسائل التواصل الحديثة، مثل الايميل والاس ام اس". (ص 46)
النعناع: تتوقف الكاتبة عند نبتة النعناع الشعبية المحببة الى قلوبنا، وتقدم لنا نبذة قصيرة عن فوائدها المتعددة، ثم تخاطبها فتقول: " يا نبتة النعناع، أراك متشبثة بأرضك، من أجل غيرك، فأنت رمز من رموز حياتنا، وتراثنا، اصمدي وابقي دائما خضراء، ولا تكوني ضعيفة!" (ص 63)
كما تتوقف الكاتبة عند الجاروشة والطابون والطبلية والكوفية والقمباز والطائرات الورقية وقد اختفت جميعها وباتت ذكرى.
نعم الأم ونعم البنت
وبعد استعراض القصص والحكم التراثية وبعض العادات وكذلك بعض الألعاب التراثية، تنهي كاتبتنا ازدهار كتابها بفصل يتحدث عن شخصيات يمكن اعتبارها تراثية في الفصل الأخير بعنوان: "شخصيات تراثية مؤثرة من بلدي"، تستعرض من خلاله أربع شخصيات: أمها، أبوها، مختار قرية المنشية، أم زيد الشخصية المباركة. ونظرا لضيق المساحة فاني أكتفي بالتوقف عند شخصية الأم، وتبدأ حديثها عن والدتها بالقول: "الرضا والقناعة والمثابرة والفخر، صفات بارزة، من صفات أمي، الحاجة صبحية محمد الشيخ نصار الكيلاني". اذن الفتاة معجبة بأمها في حالتنا هذه وتغدق عليها الأوصاف الجميلة وتصف لنا خصالها وأهمها عدم اليأس إلى جانب المثابرة، في البحث عن ابنها المفقود لوقت طويل وفي الوقت نفسه عدم التقصير نحو البيت وواجباته، الى أن عاد الولد سالما. فمن هي هذه الأم العظيمة يا ترى؟ "هي التي تقول: أنا لم أبع كرامتي، حتى إن طوى التراب أنوثتي، فأنوثتي ملك كرامتي، وكرامتي تزيد بريق أنوثتي". (ص 136) وفي هذا إجمال لمعنى الأم والمرأة التي تجمع بين الأنوثة والكرامة، فنعم الأم ونعم البنت التي تنشأ في حضن أم كهذه الأم.
لم يكن بالإمكان التوقف عند صفحات الكتاب كله، وهو جدير بالاهتمام والقراءة والاستفادة منه. ولا يبقى في الختام إلا أن أهنيء الزميلة، الكاتبة ازدهار عبد الحليم الكيلاني، على إصدارها كتاب "أحاديث من التراث"، متمنيا لها المزيد من الإصدارات الهادفة، سواء في البحث أو التأليف والابداع.
خيرا-----------------------------
- الكاتب - سكرتير "الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين – الكرمل 48"
- ازدهار عبد الحليم الكيلاني - أحاديث من التراث، منشورات دار الفاروق، نابلس، ط 2، 2024
- د. شريف كناعنة و أ. نبيل علقم – المدخل الميسّر إلى حقل التراث الشعبي، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، 2024، ص 18
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات